Presse

موسيقى – « حدائق أدونيس » رواها وسيم سوبرا بموسيقاه وبرتران لوكلير بشعره « بعلبك » ومركز التراث الموسيقي أعادا أسطورة الموت إلى الحياة

Annahar, 31 octobre 2014

موسيقى – « حدائق أدونيس » رواها وسيم سوبرا بموسيقاه وبرتران لوكلير بشعره « بعلبك » ومركز التراث الموسيقي أعادا أسطورة الموت إلى الحياة

 مي منسى – May Menassa

10488074_801246953231954_7118791244877643888_n

« ومات أدونيس الجميل، اليوم مات، كما في كل سنة عند انتهاء الشتاء. هذا الذي ولد من شجرة مبقورة، إبن ميرا الجبيلية، عشيق أفروديت ومعبودها، حبه ولعنته… »، كلمات استوحاها برتران لوكلير من أسطورة أدونيس إله الخصب، ودورة الفصول وجدت إيقاعها في موسيقى وسيم سوبرا على مفترق طرق بين الشرق والغرب. هذا الموعد بين الكلمة والموسيقى أنجب موشّحا يليق بالشعوب التي تؤمن بالأسطورة وتتآلف معها، مرشدة للحياة، للزرع، للحب، للموت والقيامة. موعد أملته على الشاعر والموسيقي الميتولوجيا التي لا تزال كلما تلوّنت مياه نهر ابرهيم بأحمر التربة، أعادت إلى الذاكرة الحيّة موت أدونيس وقيامته.

كنيسة سيدة الجمهور أتت بعد قصر الأونيسكو في باريس لتفرش الصمت مساحة لحدائق أدونيس، التي بسحر الموسيقى والأصوات الشجيّة نقلتنا من واقع الحياة إلى أجمل أسطورة سطّرها الزمن القديم في تاريخ لبنان الفينيقي، أدونيس الوسيم رمز الحياة.
ولادة وعرس وموت وقيامة، أوراتوريو أوحى إلينا في مستهل اللقاء الثلاثي بين وسيم سوبرا على البيانو وإيما ميتون على الشيللو وكليمان دوتويت على الساكسو، موسيقى من زمن الباروك، تفيض غزارة وندية ورجاء في حدائق أدونيس اللازمنية التي دعت إليها ربات الغناء والبوح والهمسات حول هذا الإله المعبود من أفروديت إلهة الحب والجمال.
في أمامية المشهد، إنشاد تعزيمي من الميزو- سوبرانو بلاندين ستاسكيوفيتش والسوبرانو باتريسيا عطالله وإلقاء من نص برتران لوكلير، بأسلوب آن جاك المسرحي، التعبيري، وهي البادئة على نغم الموسيقى، تعيش الكلمات المهموسة همساً، تعزّم الموت، ترثي الحبيب. الصوت القارئ يتحوّل إلى فاجعة تعلو شجيّة، يقشعر السمع لها، من حنجرة الميزو- سوبرانو، نسمعها تصرخ « أيا أدونيس » كلمات نلمّها كالحصى، شمساً وموتاً وحياة.
تقول القارئة: « مع كل ربيع يولد أدونيس الجميل من بطن الشجرة الملعونة، التي تتلوى وتبكي دموعا مرة كالصبر ». الموسيقى الآتية من الغرب تلتقي عند مفترق طرق مع رحالة إلى الشرق وأساطيره. البيانو الذي لعب في هذا الحدث الأوبرالي، الركن الأساسي لهذه الرحلة الأسطورية في حدائق أدونيس، ترك بين الفينة والأخرى وصلات منفردة لكل عازف. من العود كان تعزيم حزين يليق بخالد الجرماني الذي إن نقر أوتار عوده، فكمن يرحل إلى أعماق الذات.
في المشهد الموسيقي الإيقاعي بيار ريغوبولوس، إيقاعي لأنه يخلق بأصابعه على آلة الزرب طيوراً مغرّدة تعزّم الفاجعة الأدونيسية وتكسوها بالأعراس. عزفه عرس، يلتقي معه نافخ الساكسو كليمان دوتويت الذي يولّد من أنفاسه شغفاً ودعاء، مدموجا بنبرات كلاسيكية وجازية. ولأن الشيللو يرسم في هذه اللوحة ملامح ذكورية باكية، كنا ننتظر اللحظات التي كانت إيما ميتون تطلق العنان إلى هذا الصوت الأبح ليبوح بحزنه.
في هذه الثلاثية التي بدأت بولادة أدونيس، كان موعدنا مع باتريسيا عطالله التي بصوتها السوبرانو أعطت موت أدونيس، صوتا جارحا من فنانة درّبت أوتار حنجرتها على الموسيقتين الشرقية والغربية، ففيما الصوت يعلو نقيا داميا، صافيا ومقشعرا، كانت تعزّم الموت على موسيقى أجاد وسيم سوبرا دمجها بعصارتي الغرب والشرق معا، وكنا نلمح الربع الصوت في أدائها الكلاسيكي، واقفة باعتزاز بين مشرق ومغرب. تنتهي الثلاثية بالقيامة. أدونيس يعود إلى الحياة مع دورة الحياة. وتتلقى الميزو – سوبرانو بلاندين، هذه المعجزة بغناء باروكي مستوحى من موسيقى كاسيني في « آفي ماريا ». الصوت أثيري، ورع، موشح بالقداسة يرنم « آفي ماريا » هذه الإلهة الآتية إلى حدائق أدونيس من الأولمب.
كما الموسيقى لثلاثية الولادة والموت والعودة كذلك لقصيدة الشاعرة ناديا تويني في الختام نغمها. ثلاث نساء في غنائهن وإلقائهن كلمات من قصيدتها « نساء من وطني ». العود يواكب الأبيات تقاسيم تعانق الضوء الساطع: « نساء وطني/ هو الضوء ذاته يجمّد أجسادكن/ الظل ذاته يريحه/ رثائيات في تحولاتكن/ الوجع ذاته يقشّب شفاهكن/ نساء وطني/ في العدم تجدن ديمومتكن ».